بعضُ الأشياء الّتي تأتيك بشكلٍ عفويّ أحياناً قادرة على إعادة ترتيب حياتك من جديد، بل وقد تُحدث انقلاباً في رأسك فلا تعود أنت أنت، بعض الأشياء الّتي تجيءُ عفوياً أو أنَّ رغبتك للجمال تأتي بها إليك تجعلك غارقاً في سؤال؛ ماذا لو لم تحصل ؟!
منذُ أيّام كنت أُقلّب في القنوات التي أبحث فيها عادةً عن فيلمٍ جميل، حيثُ أنني منذ أشهر أطلب النّصائح لأحضر فيلماً عظيماً حسب تقييماتي الشخصيّة الغريبة، وقد نصحني البعض بأسماء لا بأس بها لأفلامٍ أيضاً لكنني لم أحضر أياً منها، المهمّ كان الفيلم يعرض نفسه بنفسه على الشّاشة وقد حمل معه الكثير من تساؤلاتي فيما بعد، من يقولُ لك أنّ التّلفاز اختراعُ هشّ أو بلغ على عصره ما بلغ من التقادم إنسان ناكر للجميل، يكفي أنّ هذا “التّلفاز” يعرض الأفلام مجّاناً، حيثُ يتكلّف الكثير من المخرجين عناء الإنتاج والدوبلاج والمونتاج وكلّ الأشيــاء والتفاصيل التي تنتهي غالباً بالــ “اج ” ليخرج لنا الفيلم وكأنه حقيقة حتى ولو كان فيه من الخيال ما لا يتّسع في واقع الحياة الطبيعية لتصل رسالةَ أحدهم إليك بشكلٍ أو بآخر، وذلك كافٍ ليكون التلفاز الّذي يعرض الأفلام اختراعاً مُقدّساً للكسالى في تحميلها من الانترنت .
*************
قبل عام تقريباً تعرّفت على صديقي (سُؤال) وأنا أشعر من وقتها أنني غارقة فيه؛ بتفاصيله الّتي لا تُملّ بتمرّده بل وأيضاً بأناقة ما يجلب لي من هدايا، غارقةٌ بكل ما يقربني إليه، والفيلم الّذي أخبرتك عنه في بداية الرّسالة حمل مشهداً عظيماً نبّهني حيثُ قال فيه أحد الممثلين بدور العالم العبقريّ : ” منذُ مدّة أدركت أنّ العلم لا يجيبنا عن الأسئلة المُهمّة، ولهذا لجأت إلى الفلسفة، – ومن ثمّ مضى يبحث في علم الفضاء خارجاً إلى Red Planet والّذي قصد به المرّيخ – مُكملاً ما بدأ به ؛ لعلّي أجد هناك صخرةُ – تُجيبني عن سُؤالي المُلحّ في ذهني – مكتوبُ عليها : هذه من صُنع الله ”
وقفت أمام هذه العبارات مشدوهة، وأنا أفكّر بجمال أن يكونَ البحث سامياً إلى هذا الحدّ من الجمال و الجلال، ما أعظم أن يبحث الإنسان بعلمه وبفلسفته وبكلّ الطرق المتاحة إليه عن الإيمان، والّذي في محصّلته الأكيدة سيكتشف أنّ كل ذلك يقِر فيه، في داخله، حيثُ آمنتُ دائماً بهذه المقولة : (إنّ عظمتك مقرونة بعظمة ما تبحث عنه، فالمحصلة أيضاً بأن الّذي تبحث عنه يجدك أو على الأقل والأكثر يبحث عنك) . ستقرأ كثيراً عن معاني البحث عن الله وعن الإيمان والذّات والجمال وستظنّ بالبداية أنّها خرافاتٍ وأساطير إن لم تجرّب ذلك، لكلّ واحد من الّذين بحثوا تعريفه ولكنّك ستجدهم جميعاً يبحثون عن معاني الخلق عن الحياة عن أصل الحياة عن إيجاد الجدوى الحقيقيّة من العيش بعيداً عن معادلة ” أكل وشرب ونام ” كلّهم سيجمعون لو تعمّقت فيهم أنّ الباحث حيّ وأنّ عقله يُدرك الأشياء بطريقةٍ عظيمة، ستدرك أنّ البحث هو المادّة الأصيلة الّتي جئنا إلى هذه الحياة لندرسها وأن مقدار نجاحنا فيها مقترنٌ بالسّعادة والإنجاز الفعليّ، كلّنا في الأصل باحثون لكنَّ اختلاف ما نبحث عنه أكبر من أن يُحصى ..
منذُ مدّة كنت أقنع صديقتي في بحثنا عن جدوى الحبّ، بأنّ الحبّ يوصلنا إلى الله دائماً، وأنّ كل ما لا يوصلنا إليه لم يكُن حُبّاً ولن يكون، وأنا أقنعها فكّرت بسؤالي كيف و لماذا !
كانا سؤالين ضخمَين، كيف ؟
إنَّ الحب له أثرٌ كيميائيٌّ مُدهش على خلايا العقل، وعلى سبيل الدّهشة ستكتشف في نفسك ذاك الإنسان الّذي يعقل ويُدرك الكون ببشاشةٍ غريبة، بل وأنّه ينبّه هرموناتٍ في القلب؛ ذلك الجزء العظيم في تكوين الإنسان ليعمل بأضعاف ما كان يعمله دونَ خفق الحُبّ، فإذا كانت الفطرة السليمة توصل إلى حقيقة الجمال الحسّي لله فما بالك بقلبٍ يعمل أضعاف ما يعمله العقل لإدراك ذلك ؟
أمّا لماذا ؟
فهذه سلسةٌ لا زالت قيد التطوّر ولا زلت قيد البحث فيها، بدأت برابطٍ عجيب طريف لكنني لا أريد الكلام عنها حتّى أتمكّن من صياغتها كما ينبغي .
مُختصر حديثي أو زبدته ؛
إنَّ البحث شجاعةُ كبيرة، فالانطواء في صندوقٍ مهما كان حجمه يظلّ خياراً آمناً دائماً، لذا فإنه إذا وقر في قلبك اثنتين ستكون قادراً على مواجهة كل شيء، الإيمان والحُبّ، الإيمان يولّد العزيمة والحُبّ يشدّ أزرها!
أوّل ما فكّرت به وأنا أدرك هذه الأسئلة وجعلني أطمئن، أنني أحبّ الله، وهو يحبّني لأنّه أرشدني ولأنني لم أظلّ مغمورة في غشاوة الجهل به، إنّه موجود في أدقّ تفاصيل حياتي، بل إنّه موجود في تكوين تكويني، ألم يحتوي كتابه الجليل : ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ هذه الرّوح الّتي لم تستطع العقول البشريّة إيجاد طريقة لحسابِ أبعادها أو وزنها أو شكلها، هذه الرّوح التي هي من الله، الله الّذي إذا تُليت على القلب أوصافه اطمأنّ ..
****************
الرّسالات هذه التي تجيء على لسان الغُرباء والأقرباء والمحبّين والأفلام والكُتُب الغريبة وغيرهم رسالات جدّ عظيمـة لا بد لنا من التّمعن في محتواها ، بل أننا الأكثر خُسراناً لو لم نفعل.
في هذا الفيلم اختصار لشيء عظيم أو أشياء، أوّلهـــا :
إنّ كون الله واسع، وأنّ كلمة “كَون” الثّلاثية لا تتّسع لوصف ما تحتوي من معاني، بل وللإعجاز الرّبانيّ البديع يزيدك بأنّ هذا الكون كلّه راقدٌ في جسدك الإنسانيّ لو بحثت فيه، لوكن قد صدق من قال : يتعيّن عليك السّفر أياناً لإدراك ما تملكه ..
أنّ الرّحلة في البحث تبدأ، ولكنّها لا تنتهي ..
أنّ الخاســر الحقيقي في رحلة الحَياة هو الّذي لا يُفكّر ..
أنّ في الحياة صنفين من الأشخاص الّذين ينجحون، أشخاصٌ يتسائلون ويبحثون عن إجاباتهم الخاصّة، والصّنف الآخر هم الأشخاص الّذين يُثيرون في عقول الآخرين الأسئلة ..
لا يلزمك أن تكونَ صوفياً لتتغنّى في خلق الله، أو إدراكك لإبداعه الرّبانيّ في تفاصيل الحب، لا يلزمك أن تكون صوفياً لتقرأ القرآن بقلبَين أحدهما يطمئنّ للذّكر والآخر يطرب ليعقل، لا يلزمك أن تكونَ صُوفيّاً لتحبّ الله كما هو يحبّك، كل ما يلزمك هو قلبك .. هل عندك قلب ؟!
لا يلزمك أن تكونَ صوفياً لتتغنّى في خلق الله، أو إدراكك لإبداعه الرّبانيّ في تفاصيل الحب، لا يلزمك أن تكون صوفياً لتقرأ القرآن بقلبَين أحدهما يطمئنّ للذّكر والآخر يطرب ليعقل، لا يلزمك أن تكونَ صُوفيّاً لتحبّ الله كما هو يحبّك، كل ما يلزمك هو قلبك .. هل عندك قلب ؟!